بحث في بنية المكان في رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ

بحث في بنية المكان في رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ

في مقالنا التالي سنقدم لك خطة بحث حول بنية المكان في رواية اللص و الكلاب للكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ، الحاصل على جائزة نوبيل في الأدب عن أحد أشهر رواياته و هي ثلاثية أولاد حارتنا، لكن يوم سنتكلم عن رواية أخرى و هي اللص و الكلاب و نبين فيها دور بنية المكان في بناء الرواية و كيف يساهم في اصال بعض الأفكار من خلال استعمال هذه البنية المهمة في الرواية.

خطة البحث

  • المقدمة:
  • المبحث الأول: أهمية المكان وعلاقة التقابل بينه وبين القيم وماهي وظيفته ومستوياته
  • المطلب الأول: أهمية المكان في الرواية
  • المطلب الثاني: علاقة الوصف ببنية المكان في الرواية
  • المطلب الثالث: وظيفة المكان في الرواية
  • المطلب الرابع: التقابل وتماثل بين القيم و الاماكن
  • المبحث الثاني: بنية المكان وتنظيمه ودلالاته في الروية
  • المطلب الأول: ملخص الاحداث الرواية
  • المطلب الثاني: بنية المكان في رواية اللص وكلاب
  • المطلب الثالث: التنظيـم المــــــــــــكاني
  • المطلب الرابع: دلالة المكان في الرواية
  • الخاتمة
  • المراجع

المبحث الأول: أهمية المكان علاقته بالوقع وماهي وظيفته ومستوياته

المطلب الأول: أهمية المكان في الرواية

يكتسب المكان في الرواية أهمية كبيرة، لا لأنه أحد عناصرها الفنية، أو لأنه المكان الذى تجرى فيه الحوادث، وتتحرك خلاله الشخصيات فحسب، بل لأنه يتحول في بعض الأعمال المتميزة إلى فضاء يحتوى كل العناصر الروائية، بما فيها من حوادث وشخصيات، وما بينها من علاقات، ويمنحها المناخ الذى تفعل فيه، وتعبر عن وجهة نظرها، ويكون هو نفسه المساعد على تطوير بناء الرواية، والحامل لرؤية البطل، والممثل لمنظور المؤلف، وبهذه الحالة لا يكون المكان كقطعة القماش بالنسبة إلى اللوحة، بل يكون الفضاء الذى تصنعه اللوحة.

إن المكان "ليس عنصراً زائداً في الرواية، فهو يتخذ أشكالاً ويتضمن معانى عديدة، بل إنه قد يكون فى بعض الأحيان هو الهدف من وجود العمل كله". ومن خلال هذا ندرك أهمية المكان في الرواية بما يتخذه من أشكال متنوعة وما تحمله هذه الاشكال من دلالات وما عاني متضمنة فيها تجعل العمل الروائي في بعض الأحيان يقوم عليه ومن خلال هذا تتجلى أهمية المكان ودوره في الرواية.

المطلب الثاني: علاقة الوصف ببنية المكان في الرواية

إن الوصف يتناول الأشياء، فيرسمها بوساطة اللغة، وهو عنصر أساسي في الرواية، فإذا كان السرد يروى الأحداث في الزمان، فإن الوصف يصور الأشياء في الأماكن، ولكنه ليس غاية في ذاته، وإنما هو لأجل صنع المكان الروائي، أو بالأحرى لخلق الفضاء الروائي، فما هو بالتصوير الموضوعي، إنما هو تصوير فنى.
وفى الرواية يظهر الوصف إلى جانب السرد والحوار، بل لعله من الممكن استخراج أسطر أو مقاطع خالصة للوصف، ولكن مما لاشك فيه أن هذا الوصف ليس للزخرف أو الزينة، إلا في الأعمال الضعيفة.

وهو مما لاشك تأثير إيهامي، للمتلقي دور كبير في صنعه، إذ لا يمكن للغة أن تنقل تفاصيل الواقع، وإذا فعلت ذلك سكنت الحركة في الرواية، وما على اللغة إلا أن تشير إلى الواقع بالتقاط جزئيات منه، وعلى المخيلة لدى المتلقي أن تقوم ببناء المكان الروائي من خلال الجزئيات التي تقدمها له اللغة ولعل من المهم القول إن الوصف لا ينقل الأشكال والألوان كما تراها العين، بل ينقلها وفق منظور نفسى فنى جمالي، يخدم الرواية، ومن خلال اللغة، وبشكل يساعد على خلق فضاء تتحرك فيه الشخصيات، وتعبر عن طبعها ومزاجها وأفكارها، ويكون المكان جزءاً من بنيتها الكلية.

ومما لاشك فيه أن لكل روائي منهجه، ونجاح منهج عند كاتب، لا يقتضى بالضرورة نجاح المنهج نفسه لدى كاتب آخر ومهما يكن من أمر، فإن الوصف عنصر أساسي في بناء المكان، وما الروائي إلا رسام ديكور ورسام أشخاص.

والوصف الجيد قد يساعد على الترشيح لظهور الشخصية، أو الارتباط بمزاجها وطبعها، ولكنه لا يقتضى بالضرورة خلق فضاء روائي. وإن صورة المكان الجيدة تعد منطلقاً لبناء الفضاء الروائي إذا كان المكان أساسياً، وتتضامن مع الصور الجيدة الأخرى لتشييد هذا الفضاء إذا كان المكان فرعياً، وحين تخسر هذه العلاقة لانفصالها عن الأمكنة الأخرى في الرواية فإنها تكتفى بوظيفتها التفسيرية".

"أما الصورة الضعيفة فتجعل المكان الأساسي مجرداً لا يقع فيه حدث ولا تخترقه شخصية، وتبقى الصورة الضعيفة في أفضل حالاتها زخرفاً أو تعييناً عاماً لمسرح الحوادث، كما تعجز عن الكشف عن أي جانب من جوانب الشخصيات، سواء أكانت تحمل اسماً يوهم بأنها حقيقية في الواقع الخارجي، أم لم تكن".
وهكذا يظهر واضحاً أن الوصف للمكان ليس غاية في ذاته، إنما هو وسيلة لخلق الفضاء الروائي، وهذا الفضاء الروائي لا يتحقق إلا من خلال حركة الشخصيات في المكان، وتفاعلها معه، كما لا يتحقق إلا من خلال تعدد الأمكنة، وقيام علاقات متواشجة فيما بينها، وذلك كله من خلال منظور ورؤية تلتحم ببنية العمل الروائي.

ولعل ذلك كله يؤكد ثانية أن المكان في الرواية "ليس مكاناً معتاداً كالذي نعيش فيه أو نخترقه يومياً، ولكنه يتشكل كعنصر من بين العناصر المكونة للحدث الروائي، وسواء أجاء في صورة مشهد وصفى أو مجرد إطار للأحداث، فإن مهمته الأساسية هي التنظيم الدرامي للأحداث" . وفى الخلاصة يمكننا القول إن "مصطلح الفضاء الروائي يتسع ليشمل العلاقات المكانية أو العلاقات بين الأمكنة والشخصيات والحوادث، ويعلو فوقها كلها ليصبح نوعاً من الإيقاع المنظم لها.

المطلب الثالث: وظيفة المكان في الرواية

في الرواية التقليدية يظهر المكان مجرد خلفية تتحرك أمامها الشخصيات أو تقع فيها الحوادث، ولا تلقى من الروائي اهتماماً أو عناية، وهو محض مكان هندسي وفى الرواية الرومانتيكية يظهر المكان معبراً عن نفسية الشخصيات، ومنسجماً مع رؤيتها للكون والحياة وحاملاً لبعض الأفكار.

وفى كلتا الحالتين يظل المكان في إطار المعنى التقليدي للمكان في الرواية، ويمكن أن يعد هذا المعنى البنية التحتية، على حين يمكن أن يحقق المكان بنية فوقية، يغدو فيها المكان فضاء، وذلك عندما يسهم المكان في بناء الرواية وعندما تخترقه الشخصيات "فيتسع ليشمل العلاقات بين الأمكنة والشخصيات والحوادث، وهى فوقها كلها ليصبح نوعاً من الإيقاع المنظم لها".
"إن الوضع المكاني في الرواية يمكنه أن يصبح محدداً أساسياً للمادة الحكائية ولتلاحق الأحداث والحوافز، أي إنه سيتحول في النهاية إلى مكوّن روائي جوهري ويحدث قطيعة مع مفهومه كديكور".
هكذا يدخل المكان في الرواية عنصراً فاعلاً، في تطورها، وبنائها، وفى طبيعة الشخصيات التي تتفاعل معه، وفى علاقات بعضها ببعضها الآخر.

إذن "يمكننا النظر إلى المكان بوصفه شبكة من العلاقات والرؤيات ووجهات النظر التي تتضامن مع بعضها لتشييد الفضاء الروائي، فالمكان يكون منظماً بنفس الدقة التي نظمت فيها العناصر الأخرى في الرواية، لذلك فهو يؤثر بعضها، ويقوّى من نفوذها، كما يعبر عن مقاصد المؤلف".
وهكذا يتجاوز المكان وظيفته الأولية المحددة، بوصفه مكاناً لوقوع الأحداث، إلى فضاء يتسع لبنية الرواية، ويؤثر فيها، من خلال زاوية أساسية، هي زاوية الإنسان الذى ينظر إليه.

إن المكان الهندسي البحت لا يمتلك قيمة فنية، ومن هنا كان اختلاف المكان في الرواية عن المكان في الواقع الخارجي، لأنّ المكان في الرواية هو المكان معروضاً من زاوية الراوي والشخصيات والحوادث والأفكار ومن خلال تفاعلها جميعاً معه.
ولذلك ميّز غالب هلسا بين ثلاثة أنواع للمكان بحسب علاقة الرواية به، وهى:

  1. المكان المجازي: وهو الذى نجده في رواية الأحداث وهو محض ساحة لوقوع الأحداث لا يتجاوز دوره التوضيح ولا يعبر عن تفاعل الشخصيات والحوادث.
  2. المكان الهندسي: وهو الذى تصوره الرواية بدقة محايدة، تنقل أبعاده البصرية، فتعيش مسافاته، وتنقل جزئياته، من غير أن تعيش فيه.
  3.  المكان بوصفه تجربة تحمل معاناة الشخصيات وأفكارها ورؤيتها للمكان وتثير خيال المتلقي فيستحضره بوصفه مكاناً خاصاً متميزاً.

ولذلك، فإن وصف المكان وحده لا يساعد على خلق الفضاء الروائي، ولا بد من اختراق الإنسان للمكان، والتفاعل معه، والعيش فيه، وتقديمه من خلال زاوية محدودة، تخدم الإطار العام للرواية، بحيث يتحول المكان نفسه إلى عنصر فاعل.
إن المكان في الرواية من غير تلك الآفاق يغدو محض زخرف أو زينة، وفى أفضل الحالات يساعد على فهم الشخصيات وتفسيرها، ولكنه لا يتحول إلى فضاء، إن الوصف هو الأرض التي يمكن أن يبنى عليها الفضاء، ولكن الوصف وحده لا يصنعه.
المعيار إذن، هو بناء الفضاء الروائي، فإذا نجح الروائي في هذا البناء منح المكان الحقيقي والمكان المبتدع خصوصية الخلق الفني.

المطلب الرابع: التقابل وتماثل بين القيم و الاماكن

ومن الممكن النظر بعد ذلك إلى المكان من وجهة نظر فكرية، لأن المكان ليس محض مكان موضوعي، محايد، وإنما هو مكان روائي فنى، يتم تصويره من وجهة نظر، ومن خلال زاوية رؤية، وعبر التفاعل مع الشخصيات والحوادث، وهو بذلك يحمل قيمة، أو يمثلها، أو يرمز إليها.
ففي الرواية "لا نواجه فضاءً خاصاً، وإنما أجزاء وعناصر منظور إليها بطريقة خاصة، فالرؤية هي التي ستمدنا بالمعرفة الموضوعية أو الذاتية التي تحملها الشخصيات عن المكان".
والإنسان كما يرى لوتمان "يخضع العلاقات الإنسانية والنظم لإحداثيات المكان، ويلجأ إلى اللغة لإضفاء إحداثيات مكانية على المنظومات الذهنية".

فهو يرى المقابلات التالية بين الأماكن و القيم:

عالي
واطئ
=
قـيّـم
رخيـص
***
يمين
يسار
=
حسن
سيّـئ
***
قريب
بعيد
=
الأهل
الغرباء
***  
مفتوح
مغلق
=
مفهوم
غامض

 ويتجسد في هذا المكان الروائي من خلال التمثيل للقيمة بالمكان، والتقابل بين القيم من خلال التقابل بين الأمكنة، فالقصر العالي الواسع الكبير للغنى القوى القادر على الفعل، والبيت الصغير الضيق الحقير للفقير. وانطلاقاً من هذا التقابل والتمثيل "يرى لوتمان أنه توجد صفة طوبولوجية هامة هي الحدّ، فالحدّ هو الذى يعهد إليه تقسيم فضاء النص إلى فضاءين غير متقاطعين، وفق مبدأ أساسي هو انعدام قابلية الاختراق". وهذا الحدّ سيجعل هناك أماكن مباحة، واماكن محظورة، فالقصر محظور على الفقير، وبيت الفقير مباح للغنى، ومن الصعب على الفقير اختراق القصر.

ومما لا شك فيه أن هذا الحدّ الذى يقيمه لوتمان ليس حداً مكانياً جغرافياً، إنما هو حد اجتماعي اقتصادي يفصل بين فضاءين روائيين، ومثل هذه التصنيفية إلى فضاءين تؤكد انطلاق الفضاء من رؤية الإنسان كما تؤكد أن الفضاء الروائي يحيل إلى البناء الفني للرواية ولا يحيل إلى الواقع.

المبحث الثاني: بنية المكان وتنظيمه ودلالاته في الروية

المطلب الأول: ملخص أحداث الرواية

تبدأ الرواية في عيد الثورة عندما خرج (سعيد مهران) من السجن, وسعيد هذا اسم على غير مسمى, فهو ليس سعيدا على الإطلاق، فحياته كلها آلام وضياع، منذ مات والده وهو يحمل على كتفه أعباء السنين، كان والده بواب عمارة الطلبة ثم مات فأصبح لزاما على الولد والأم أن يقوما باحتياجاتهما، وتجلّت شهامة رؤوف علوان الطالب بكلية الحقوق فسعى أن يعمل سعيد ووالدته في خدمة العمارة بعدما رحل رب الأسرة.

وبدأ سعيد يتحمل المسؤولية في سن مبكرة، ثم مرضت أمه وهلكت بسبب مرضها حيث داهمها نزيف حاد، فأسرع ابنها إلى أقرب مستشفى، تصور أن المستشفى يمكن أن ينقذها لأنها روح إنسان، لم يكن يعرف أن المستشفيات الكبرى ذات قاعات الاستقبال الفخمة والطبيب الشهير والممرضة الأجنبية سوف تنظر لأمه المريضة نظرة احتقار لأنها ببساطة رثة الثياب واضحة الفقر، بعد خروج سعيد مهران من السجن كانت فكرة الانتقام تدور في رأسه مع حنين لابنته الثي كانت تجعل معنى لحياته.

المطلب الثاني: بنية المكان في رواية اللص وكلاب

لا يمكن أن تقع الأحداث بمعزل عن مكان وقوعها. يلعب المكان دورا أساسيا في الكشف عن هوية الأحداث، عن مواقع الشخصيات وعلاقاتها، ومستوياتها الاجتماعية العامة والخاصة.

على المتآلف والمتنافر منها، كل ذلك مرده “السجن” نقطة انطلاق جديدة تتسع في أفق تفكير سعيد مهران للقيام بما شَكَّلَ ذاكرته وحاصرها (الانتقام). ثم الحي الفضاء العام مجمع المتناقضات، محطة الطموح والاستكانة، منبع الفعل في عقلية مهران وعليش ونبوية بحمولاته الإيجابية والسلبية.

هذا الفضاء سيتم منه الحسم في القرار النهائي لسعيد مهران (الانتقام) حين أصبح غريب المكان (بيته السابق) الذي تحول فقط للتفاوض عن إرثه (ابنته وكتبه وماله)، وفيه تمت حبكة هذه الغرابة من طرف عليش ونبوية، مما سيزيد في اهتياج نفسيته وفتح الشهية “للانتقام” هذه الغرابة تنتهي به إلى مكان آخر لا مفر عنه في استرجاع الهدوء النسبي إلى الذات، إنه بيت الشيخ الجنيدي (المحطة الاعتبار )، المكان المؤقت لترتيب ما تبعثر سابقا فتكون الوجهة بعده مقر الجريدة، وقصر رؤوف، وبيت نور والمقهى و الجسر والقرافة والحي والغابة.. إن تعددية المكان تستوعب دينامية الأحداث في كل أبعادها بإبراز طبيعة القضية الموضوع.

الذي يسعى هذا المنظور إلى دراسة نظام النص العام، و البحث عن وحداته، و المبادئ التي تنتظم بواسطتها هذه الوحدات. ذلك أن النص يتأسس على مجموعة من العلاقات الدلالية و التركيبية التي تمنحه صورة معين. و تنجم بنية النص عن تأليف مجموعة من صيغ التنظيم التي يمكن الكشف عنها عبر محاور.

المـطلب الثالث: التنظيـم المــــــــــــكاني

لا يعتمد نجيب محفوظ المكان، في روايته هاته، إطارا تزيينيا أو تكميليا، يؤسس به فضاء الرواية، بل يعتمده مكونا أساسيا يبوح بما يفكر فيه الروائي، و يتيح إمكانية الكشف عما تعانيه الشخصية من صنوف الوحدة و الاغتراب و المعاناة.

و يمكن كشف هذا التنظيم في الرواية من خلال الفضاءات التالية:
  1. السجن: المكان الذي تنفتح عليه الرواية، قضى فيه سعيد مهران أربع سنوات فقد خلالها حريته و عانى العزلة و الحصار و مرارة اكتشاف الخيانة. هو فضاء العقاب بدل أن يكون فضاء الإصلاح.
  2. بيت الجنيدي: مكان إقامة الشيخ علي الجنيدي الزاهد المتصوف، صديق والد سعيد، يحمل هذا الفضاء لرواده إحساسا بالسكينة و الطمأنينة، هو مأوى لا ينغلق أبدا، يلوذ به سعيد حين تشتد الأزمات عليه، غير أنه لا يشعر فيه بالراحة طالما لم يحقق انتقامه، ذلك أن مذهبه مختلف عن مذهب الشيخ.
  3. عطفة الصيرفي: فضاء يحيل سعيد على مفارقة شعورية، إذ فيه جزء من ذكرياته مع نبوية، أيام الحب و الوفاء، كما فيه ذكرى الاعتقال متلبسا بسرقة قضى إثرها عقوبة سجنية دامت أربع سنوات. لذلك تختلط اتجاهه مشاعر الرضى و مشاعر الامتعاض.
  4. شقة نور: فضاء كان يحقق لسعيد جزءاً من توازنه النفسي في مرحلة تخلى عنه الجميع و آوته نور في بيت متواضع، يطل على المقابر. فرغم أنه كان يحس بالضيق و التبرم من عدم قدرته على التصرف بحرية مخافة إثارة انتباه الجيران إلا أنه كان يجد في المكان قدرا من إنسانية مفقودة خارجه.
  5. مقهى طرزان: مكان التقائه بنور ماضيا و حاضرا، إضافة إلى كونه يمكنه من تلقي المعلومات عن أعدائه، و الأهم أنه في هذا المكان حصل على المسدس الذي يمكنه بواسطته الانتقام من الذين خانوه.

و تحضر في الرواية فضاءات مكانية أخرى تستمد أهميتها من مساهمتها في دينامية الأحداث، و يمكن أن نذكر من هذه الفضاءات ما يأتي:

  • فيلا رؤوف علوان : و ما تكشفه من صور الخيانة و الانتهازية.
  • المقبرة: و ما تحيل عليه من وحدة قاتلة و عزلة و اغتراب.

المطلب الرابع: دلالة المكان في الرواية

يستغل الكاتب الخواص في تصوير المكان.وذلك بتحويله من مساحة هندسية إلى أبعاد نفسية. فهو المكان الفضاء الذي يتسع لحركة الإنسان ويتفاعل معها ، ويكشف عن جوانب من الشخصية . وتبرز أهمية المكان في كونه أهم عناصر الرواية، فهو الموضع الذي تجري فيه الأحداث وتتحرك خلاله الشخصيات، وهو الذي يمثل أحد عناصر القوى الفاعلة في الرواية .

إن الفضاء المكاني عنصر حيوي من العناصر الفنية التي يقوم عليها بناء العمل الروائي، فهو يربط أجزاء العمل الروائي بعضها ببعض من شخصيات وأحداث وسرد وحوار، إنه الإطار العام والوعاء الكبير، الذي يشد أجزاء العمل كافة، وهو الجزء المكمل للحدث، يكتسب المكان في الرواية طابعا خياليا له مقوماته الخاصة وأبعاده المتميزة، لكن السارد يتخذ من المكان وسيلة لفهم سيرورة الاحداث . وتتجلى فاعلية المكان في كونه عنصراً فاعلاً في بناء الأحداث ورصد طبيعة الشخصيات ، وعلاقاتها، وهو فضاء يتسع لبنية الرواية ويؤثر فيها.

إن المكان في الرواية لا يراد به الدلالة الجغرافية المحدودة، المرتبطة بمساحة محدودة ، بل هو كيان زاخر بالحياة والحركة، يتفاعل مع حركة الشخصيات وأفكارها.

ويمكن ان ننظر إلى المكان في اللص والكلاب من خلال أربع زوايا دلالية:
  1. الدلالة الجغرافية: عطفة الصيرفي - الطرقات شارع محمد علي.
  2. الدلالة النفسية: السجن الأصم - القبور - بيت نور - مشارف الجامعة - المستشفى.
  3. الدلالة الاجتماعية: الحي - مسكن نور - بيت الجنيدي - مقهى طرزان - مسكن رؤوف - البيوت والدكاكين - مرسى القوارب - مشارف القرافة - سرك الزيات.
  4. الدلالة التاريخية: قصر رؤوف- عمارة الطلبة- الجامعة - سجن الحكومة - مبنى جريدة رؤوف - مكتب الاستعلامات - الفيلا رقم 18 - كلية الحقوق- مجمع اللصوص والشرطة.

إن المكان في الرواية يحمل أبعادا دلالية، كما انه يكشف عن طبيعة الشخصيات وأحيانا يصبح لمكان نوعا من المحاكمة الاجتماعية والتاريخية للمنظومة العلاقات الإنسانية في مصر في فترة الخمسينيات، حيث كثرت الشعارات حول الحرية والمساواة، وغيرها من الوعود.

خــاتمة:

وبعد، فتلك هي بعض الآفاق التي تفتحها دراسة المكان في الرواية، وهى آفاق خصبة غنية واسعة، وبإمكان القارئ من خلالها تحقيق متعة أكبر في التعامل مع المكان الروائي، وبإمكان الدارس الانطلاق من غير شك إلى آفاق وأبعاد أغنى وأوسع و لعل ذلك كله يؤكد أهمية المكان في الرواية، وما هو جدير به من عناية ودرس.

المراجع:

  1. بحراوي، حسن، بنية الشكل الروائي، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، 1990.
  2. الفيصل، د. سمر روحي الفيصل، بناء الرواية العربية السورية، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1995.
  3. قاسم، د. سيزا أحمد، بناء الرواية ، دار التنوير، بيروت، 1985.
  4. هلسا، غالب، المكان فى الرواية العربية، دار ابن هانئ، دمشق، 1989.
تعليقات