![]() |
## مقدمة
يمتلئ العالم الأدبي بأنواع مختلفة، يعرض كل منها عناصر مميزة. ومن بين هذه الأنواع، يبرز النوع السردي كفرع يأسر القراء بقدرته على نسج القصص التي تخلق المعنى وتشرك الجماهير. تطورت طريقة السرد مع مرور الوقت، مستوحاة من أشكال الفن القديم مثل الشعر. يتطرق هذا المقال إلى تطور النظرية السردية كفرع مستقل من الدراسات الأدبية، مستكشفًا ارتباطها بفن الشعر وخصائصه الفريدة. بالإضافة إلى ذلك، فهو يستكشف تركيز السرد على إنتاج المعنى، والتنقيب في الخطاب، وانفتاحه على الأبعاد السيميائية والتواصلية والخطابية.
لمحة موجزة عن الأنواع الأدبية والسردية
تظهر الأنواع الأدبية عندما تسلط مجموعة من النصوص الضوء على عناصر متشابهة. ويمكن تصنيف هذه العناصر إلى أساسية أو ثانوية. إذا لم يلتزم النص بشكل صارم بالعناصر الثانوية، فإن تصنيفه ضمن النوع الأدبي لا يتأثر. ومع ذلك، إذا انحرف عن العناصر الأساسية أو المهيمنة، فقد يقع في نوع مختلف أو ينشئ نوعًا جديدًا تمامًا.
من أجل تصنيف النص على أنه سردي، يجب أن يلتزم بمجموعة من العناصر السائدة أو القواعد الأساسية للنوع السردي. ويلخص الدكتور عبد الفتاح كيليطو هذه العناصر بشكل جميل على النحو التالي:
الصلة بين السابق واللاحق:
النهاية تسيطر على كل ما قبلها، ولا تتجلى حرية السرد إلا من خلال اختيار النهاية. بمجرد اتخاذ هذا الاختيار، يفقد الراوي السيطرة ويصبح سجينًا لهذا الاختيار.
العلاقة بين تسلسل الأحداث ونوع السرد:
هناك أنواع مختلفة من السرد، وكل نوع يفترض تسلسلاً محدداً يجب على الراوي الالتزام به. تتطلب بعض الروايات تسلسلاً ثابتًا للأحداث التي يجب تكرارها، كما هو الحال في بعض الحكايات والمقامات الشعبية. ومن المعروف أن مؤلفي المقامات احترموا التسلسل الثابت لأحداث السرد كما وضعه الهمذاني.
قاعدة خاصة بالعادات والتقاليد والتوقعات:
الأفعال السردية تخضع لاعتقادات القارئ حول مجرى الأحداث. وكما يقول رولان بارت: "إن الراوي هو القارئ بالفعل". الراوي يدرك جيدًا معتقدات القارئ ويوجه السرد وفقًا لذلك. ومن الجدير بالذكر أن كل نوع روائي له عاداته الخاصة.
يشمل النوع السردي أشكالًا مختلفة مثل الأخبار والقصص والحكايات والسير الذاتية والروايات. تحتل الروايات مكانة بارزة وتحتل مساحة كبيرة في الثقافات الإنسانية المختلفة. كما يقول بارت: "السرديات موجودة في كل الأزمنة والأمكنة، في كل المجتمعات. تبدأ الروايات بالتاريخ أو حتى بالإنسانية نفسها، إذ لا يوجد شعب بدون روايات. كل طبقة من المجتمع وكل مجتمع بشري له رواياته الخاصة".
والسرد بهذا المعنى لا حدود له، ويشمل مختلف الخطابات، سواء كانت أدبية أو غير أدبية. وبعد البحث في هذا الموضوع يطرح السؤال: هل من سبيل لمناقشة علم الرواية؟ هل هناك خطاب ينطلق من رؤية ومنهجية محددة، يوظف إطارا مفاهيميا مميزا لمقاربة النصوص السردية والتعمق في أعماق الخطاب السردي؟
علم السرد: بين السرد والشعر
النوع السردي هو فرع من نوع أكبر يعرف بالشعر. ويقول تسفيتان تودوروف في كتابه "السيميائية والنظرية الأدبية" إن الشعرية هي نظرية الأدب. ويركز على الإجابة على السؤال: ما هو الأدب؟ وهذا السؤال يشكل جوهر اهتماماتها ويبرر وجودها.
وينسجم هذا النهج مع المنظور الذي طرحه رومان جاكوبسون عام 1960 في محاضرته بجامعة إنديانا بعنوان "اللسانيات والشعرية". حدد جاكوبسون الموضوع الأساسي للشعرية كخطوة أولى في الإجابة على سؤال "ما الذي يجعل الرسالة الشفهية عملاً فنياً؟"
لقد وصلت دراسة الشعرية إلى مرحلة متقدمة، وأصبح من الواضح أن أهمية الشعرية تتجاوز الخصائص الشعرية للنصوص الشعرية. وهو ينطوي على استخلاص القوانين والقواعد الداخلية للخطابات الإبداعية، مثل خصائص الأنواع الأدبية والأنظمة التي تعمل عليها. وفي هذا السياق، يرى تودوروف أن موضوع الشعرية ليس العمل الأدبي نفسه، بل الخطاب وخصائصه النوعية.
وهكذا، بعد أن حددت مناهج البحث الحديثة مفهوم "الشعرية" كنظام، تحول الاهتمام نحو إرساء أسس "علم السرد". وقد أدى ذلك إلى ظهور علم جديد يهدف إلى تحدي الانطباعات غير المبررة والمقاربات غير المنظمة التي تحاول الاعتماد على ثقل الخطاب السردي دون استكشاف أعماقه. لقد أصبحت ملامح الأساليب التقليدية شبه مغلقة وعقيمة في مواجهة الاكتشافات التي حققها علم السرد المعاصر.
علم السرد: من التحليل المنهجي إلى علم السرد المعاصر
كان أرسطو أول من أشعل شرارة تأسيس علم السرد كمنهج منهجي من خلال اقتراحه للدراسة المنهجية للسرد. لقد وضع الأساس لهذا النهج، الذي تم تطويره من قبل علماء مثل هيردر، ليسينج، شلايرماخر، نوفاليس، كوليردج، ومالارميه. وفي نهاية المطاف، اتخذت دراسة السرد القصصي منحى جديدا مع الشكلانيين الروس، خاصة بعد تمييز فلاديمير بروب بين النص السردي والبنية السردية. ركز بروب على البنية السردية التي أصبحت موضوع بحث عند الشكليين.
لقد مهد نهج الشكلانيين الروس في السرد الطريق لفهم جديد للسرد. وسلط الضوء على أهمية الهياكل السردية وقوانينها والمبادئ الحاكمة لها. يهدف هذا النهج، المعروف باسم علم السرد، إلى دراسة أشكال رواية القصص والقواعد التي تحكمها، ورسم أوجه التشابه مع مورفولوجية النباتات العضوية.
لقد ساهمت حركة النقد الجديد، ومدرسة براغ، والبنيوية، والنقد الجديد في تشكيل علم السرد المعاصر. قدم تزفيتان تودوروف مصطلح "علم السرد" بالمعنى الذي استخدمه فلاديمير بروب في كتابه "مورفولوجيا الحكاية الشعبية" عام 1928، والذي يعتبر العمل الأساسي لعلم السرد السيميائي. يشير علم الصرف إلى دراسة الأشكال السردية والقواعد التي تحكمها، متبعًا نمط مورفولوجيات النباتات العضوية.
وفي وقت لاحق، تبنى النقاد الجدد المبادئ التي قدمها بروب، واستخدموها كمعايير للوصف والتحليل. وأصبح هذا المنهج أساس أساليبهم في دراسة السرد، بما في ذلك السرد والرواية والقصة القصيرة.
لقد تأثر علم السرد المعاصر بشكل كبير بمدرسة براغ، والبنيوية، والنقد الجديد. لقد لعب إدخال تودوروف لمصطلح "علم السرد" في سياق علم السرد السيميائي دورًا مهمًا في تشكيل المناهج المعاصرة للتحليل السردي.
خاتمة
وفي الختام، فقد تطور المنهج السردي إلى فرع مستقل في الدراسات الأدبية. وله مجموعة من القواعد والخصائص الخاصة به التي تميزه عن الأنواع الأخرى. يشتمل النوع السردي على أشكال مختلفة، وتتجلى أهميته في الثقافات المختلفة عبر التاريخ. لقد ظهر علم السرد، أو علم السرد، لاستكشاف أعماق الخطاب السردي وتحدي الأساليب غير المنظمة. إنه يعتمد على الأسس التي وضعها أرسطو، وقد تم تطويره من قبل العلماء من خلال التحليل المنهجي وعلم السرد المعاصر. ومن خلال الخوض في أسرار الطريقة السردية، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل فن الحكاية وتأثيرها العميق على الأدب والثقافة الإنسانية.
ومن خلال الاستكشاف المنهجي لهذا النوع السردي، يمكن للعلماء تسليط الضوء على سماته الفريدة وكشف الآليات المعقدة التي تحرك الروايات. توفر دراسة علم السرد إطارًا لتحليل الروايات، مما يسمح بفهم أعمق لبنية السرد ومعناه وأهميته الثقافية. ومع استمرار تطور علم السرد، فإنه بلا شك سيساهم في إثراء تقديرنا لفن السرد وجاذبيته الخالدة.
تعليقك يهمنا