
في مقالنا التالي سنتناول أحد الشخصيات المؤثرة في الأدب العربي و أبرز مجدديه، و هو الأديب الكبير طه حسين سنتناول حياته و اسهماته الادبية و النقدية، هيا بنا نبدأ:
مولد طه حسين:
ولد طه حسين بن علي بن سلامة عام 1307 الموافق 14 نوفمبر 1889 م ، في قرية ( الكيلو ) بمغاغة من محافظة المينا ( بالصعيد المصري ) ، وهو سابع ثلاثة عشر من أبناء أبيه وخامس عشر من أشقاءه وأصيب بالجدري في الثالثة ( وقيل في السادسة ) من عمره فكف بصره.
مسيرة التعليمية لطه حسين:
بدأ حياته في الأزهر ( 1902-1908) ثم بالجامعة المصرية القديمة . وهو أول من نال شهادة ( الدكتوراه ) منها (1914) بكتاب ( ذكرى أبي العلاء ) . وسافر في بعثة إلى باريس ، فتخرج بالسوربون (1918 ) ، وعاد إلى مصر فاتصل بالصحافة وعين محاضراً في كلية الآداب بجامعة القاهرة ، ثم كان عميداً لتلك الكلية فوزيراً للمعارف . وفي تلك البرهة تمكن من جعل التعليم الثانوي والفني مجاناً . وكان من أعضاء المجمع العلمي العربي المراسلين بدمشق ثم رئيساً لمجمع اللغة بمصر ، وعينته جامعة الدول العربية رئيساً للجنتها الثقافية فأدارها مدة . حاول البدء في عمل ( دائرة معارف ) عربية ولم ينجح.
كانت أمنية الشيخ حسن ، وهو الموظف في شركة السكر أن يرى ابنه ( طه ) قاضياً ، وأن يراه من علماء الأزهر قد جلس إلى أحد أعمدته تتحلق من حوله ندوة واسعة المدى.
يقول (أنور الجندي ):
عرف الدكتور طه طلائع المستشرقين في الجامعة المصرية القديمة ، أخذ من (نلينو) مصادر التاريخ الأدبي ومن (برجستراسر): التطور النحوي ، ومن (جويدي): علم اللغة الجنوبية القديم ، ومن (ليتمان) فقه اللغة . أما في فرنسا فإنه تابع (دور كايم) ورأيه في ابن خلدون استهانة وانتقاصاً ، وتابع (كازنوفا) عن مفهومه في القرآن وتفسيره له حيث يقول : " كنت شديد الإعجاب بطائفة من المستشرقين ولكني لم أكن أقدر أن هؤلاء المستشرقين يستطيعون أن يعرضوا في إصابة وتوفيق لألفاظ القرآن ومعانيه ، والكشف عن أسراره وأعراضه ، فلم أكد أجلس إلى كازانوفا ، حتى تغير رأيي ، أو قل ذهب رأيي كله وما هي إلا دروس سمعتها منه حتى استيقنت أن الرجل كان أقدر على فهم القرآن وأمهر في تفسيره من هؤلاء اللذين يحتكرون علم القرآن ويرون أنهم خزنته وسدنته وأصحاب الحق في تأويله ، فتنت بهذا الرجل.
ما قاله النقاد عن طه حسين:
الدكتور طه حسين أديب مصري قد اكتسب شهرة واسعة وأنتج إنتاجاً غزيراً وكان له نشاط واسع في مجال الجامعة ووزارة المعارف بالإضافة إلى مجاله في الصحافة والتأليف.
فيعلق ( عبدالرشيد محمودي) قائلاً:
في 5 مايو سنة 1914 منح طه حسين درجة الدكتوراة عن الرسالة التي أعدها عن أبي العلاء المعري . وهذا العمل الذي نشر بعد ذلك بعام تحت عنوان (ذكرى أبي العلاء)جدير بأن يعد أولاً بمعان متعددة ، فقد كان أول رسالة دكتوارة تقدم إلى الجامعة الناشئة وتجيزها ، وكان أيضاً أول عمل يعترف طه بجدارته للنشرعلى شكل كتاب ، فهو يؤكد أنه أذن بنشر الكتاب لشدة أثرته وحبه أن يكون واضحاً لمعاصريه ولمن يجيئون على أثره في جميع ما اختلف على نفسه من الأطوار، وذلك أن الكتاب يمثل حياته العقلية في الخامسة والعشرين.
ويقول الأديب العقاد:
طه حسين هو على الترتيب : كاتب قصة ، ومؤرخ للعصور الأدبية ، وناقد للآداب والفنون فهو أسلوبه المطبوع الذي يلائم الإفضاء بأفكاره وأحاسيسه لأنه أسلوب الإملاء الموقع الذي يجعل السكوت والابتداء فواصل ونغمات .. لم تخل حياته من الترتيل فهو يفكر ليملي ، ويملي ليزاوج بين الفواصل كما يزاوج بين الفترات الموسيقية .
وليست هذه هي (النقيصة) الوحيدة ، فهناك النقيصة الظاهرة في الحزم والتشكيك ، ونقيصة ثالثة حين يكتب المقالات ، أنه يقتصد في العنوان حتى لا يجاوز كلمة واحدة ،وأن يسهب في المقال حتى يفيض بالأنهار ، ونقيصة غير هذه وتلك أن تقترن الروح الجدلية في عباراته بالروح العلمية .
ويأتي طه حسين الناقد بعد طه المؤرخ وطه صاحب القصة لأن المدار في النقد كله على مقاييس الشعر والبلاغة الشعرية وليس نصيب الدكتور طه في هذه المقاييس بأوفى نصيب.
كما يضيف (أنور الجندي) قائلاً:
لمع نجم طه حسين لمعانً خاطفاً في الثلاثينات عندما أصدر كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي حمل معه مجموعة من الآراء الخطيرة التي تعارضت مع أصول الإسلام ومفاهيمه فأحدثت ضجة ضخمة واسعة المدى في الجامعة والأزهر والصحافة . . جرى في أبحاثه المختلفة مجرى كُتاب الغرب وأعتمد أساليبهم ومناهجهم في دراسة أدب العرب وتاريخ الإسلام.
كتب بعد ذلك (على هامش السيرة)الذي كان تهكم صريح . ولم يلبث طه حسين أن دعا إلى الفرعونية ودعا إلى الأخذ بالحضارة الغربية حلوها ومرها ، ما يحمد منها وما يعاب ، في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) الذي كان منهجاً لتغريب التعليم المصري .
وفي نقد لـ (مصطفى صادق الرافعي)لأحد كتبه يقول:
إن هذا الكتاب السخيف الذي جاءتنا به الجامعة مما تضيق به النفس لكثرة ما فيه من الخطأ ، حتى لا يطيقه إلا من كان في عقل صاحبه وضعف حجته وتهافت آرائه وكثرة سقطه.
ويرد الرافعي على نقد طه حسين لرسائل الأحزان:
أنا لا أقول إن الأستاذ طه حسين ليس شيئاً في فضله وأدبه وعلمه ، بل هو عندي أشياء كثيرة ، بل هو مكتبة تنطق كتبها ، ولكنه لم يلابس صناعة الشعر ولا أساليب الخيال ، ولا أخذ نفسه في ذلك بمزاولة ولا عمل ، فليس له أن ينقد هذه الصناعة ، ولا أن يقول في هذه الأساليب إلا بعد أن يجيء بمثل ما يكتب أهلها ، فإن لم يكن ذلك في طبعه ولا في قوته ولم يستوله شيء منه فلا يغرنه أن يكون مؤرخاً ، ولا يخدعنه أن يكون منطقياً ، ولا يحسبن أن فهم شيء هو فهم كل شيء ، ولو كان الأمر موضوعاً في الأدب على الاتساع في الكلام والقدرة على القول الكثير صواباً وخطأ ، لما كان أكبر أديب هو أكبر الأدباء ، ولكن أكبر الثرثارين.
ويعلق (محمد حسين هيكل) على كتاب (على هامش السيرة) قائلاً:
يجب ألا يتخذ (ما أتصل بسيرة النبي) مادة لأدب الأسطورة فإنما يتخذ من التاريخ وأقاصيصه مادة لهذا الأدب ، ما اندثر أو ما هو في حكم المندثر وما لا يترك صدقه أو كذبه في حياة النفوس والعقائد أثراً ما . والنبي وسيرته وعصره يتصل بحياة ملايين المسلمين جميعاً ، بل هي فلذة من هذه الحياة ومن أعز فلذاتها عليها وأكبرها أثراً في توجيهها وطه يعرف أكثر مما أعرف أن هذه الإلسرائيليات إنما أريد بها إقامة أساطير ميثولوجيه إسلامية لا فساد العقول والقلوب منت سواد الشعب ولتشكيك المستنير ودفع الريبة إلى نفوسهم في شأن الإسلام ونبيه وقد كانت هذه غاية الأساطير التي وضعت عن الأديان الأخرى.
ويضيف (هيكل):
وهو كاتب خفيف الظل تسري عذوبة روحه إلى لفظه .. أو لعلها عذوبة اللفظ وخفته في الحركة والإيقاع يضفي على روحه.
مــــؤلفــــــاتــــه:
- تجديد ذكرى أبي العلاء المعري
- في الأدب الجاهلي
- في الشعر الجاهلي
- حديث الأربعاء
- قادة الفكر
- دعاء الكروان
- على هامش السيرة
- مع أبي العلاء في سجنه
- مع المتنبي
- أحاديث
- الأيام
- فلسفة ابن خلون (وهو رسالة ماجستير بالفرنسية)
- دروس التاريخ القديم
- عثمان
- علي وبنوه
- تحميل مباشر للكتاب من هنا
- الحب الضائع
- رحلة الربيع والصيف
- جنة الحيوانات
- أديب
- المعذبون في الأرض
- في الصيف
- من لغو الصيف إلى جد الشتاء
وكان شغوفاً بالأدب اليوناني فترجم بعض آثاره:
- نظام الأثينيين لأرسطو
- آلهة اليونان
- صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان.
وفـــــاتــــــــــــه:
توفي عام 1393هـ الموافق 1973 م.
مقطع من كتاب طه حسين:
من لغو الصيف إلى جد الشتاء
كنا نلغو أثناء الصيف ، فلنجد أثناء الشتاء ، وما الذي كان يمنعنا من اللغو أثناء الصيف ، وفي الصيف تهدأ الحياة ويأخذها الكسل من جميع أطرافها فتوشك أن تنام ولا تسير على مهل يشبه الوقوف ، وفي أناة تضيق بها النفوس . كل أسباب النشاط مؤجلة إلى حين ، غرف الاستقبال مقفلة ، وملاعب التمثيل مغلقة أو كالمغفلة ولا تذكر الموسيقى والغناء .
هي عاطفة طبيعية تسيطر علينا في أكثر ما نعمل وفي أكثر ما نقول ، وأي غرابة في أن يكون الميل إلى تمصير الحضارة الأجنبية على اختلاف فروعها أظهر ما تمتاز به حياتنا العامة في عصر كهذا العصر الذي نعيش فيه قد اشتدت فيه النهضة الوطنية وقوي فيه الشعور بالقومية المصرية وظهر فيه الحرص واضحاً جلياً على أن تكون شخصيتنا بارزة لا لبس فيها ولا غموض ؟ وقد مضى عصر كنا نستعير فيه الحضارة الأجنبية استعارة من أوربا ونجهر بذلك ونقدم عليه لا نجد فيه حرجاً ولا نحس منه حياء ثم مضى عصر آخر كنا نسرع فيه إلى هذه الحضارة الأجنبية مبتهجين بالإسراع إليها مفاخرين بالأخذ بأسبابها يمتدح الرجل منا بأنه يحسن مجاراة الأوربيين في هذا الأمر وذاك ، ويحسن تقليد الأوربيين في التفكير والقول وغيرهما من أساليب الحياة.
تعليقك يهمنا