
شاعر الجاهلي الحطيئة
اليوم سنتحدث الشاعر الجاهلي الحطيئة شاعر الهجاء الأول، سننقل أهم المحطات في حياته و ظروف نشأته و شعره و الأحداث التي كان له دور فيها، كما أنه أحد الشعراء المخضرمين الذين عاشوا فترة الجاهلية و الاسلام.
نبذة عن حياة الشاعر الحطيئة:
أبو مُلَيْكة جرول بن أوس بن مالك العبسي المشهور بـ الحطيئة. شاعر مخضرم أدرك الجاهلية وأسلم في زمن أبي بكر. ولد في بني عبس من أَمةٍ اسمها (الضراء) دعِيًّا لا يُعرفُ له نسب فشبّ محروما مظلوما، لا يجد مددا من أهله ولا سندا من قومه فاضطر إلى قرض الشعر يجلب به القوت، ويدفع به العدوان، وينقم به لنفسه من بيئةٍ ظلمته، ولعل هذا هو السبب في أنه اشتد في هجاء الناس، ولم يكن يسلم أحد من لسانه فقد هجا أمّه وأباه حتى إنّه هجا نفسه.
حبسه في السجن:
كان سبب حبسه أن الزبرقان بن بدر التميمي سيد قومه عَمِل للنَبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكان يجمع زكاة قومه ويؤديها لهم. وقد أشتكى لعمر لما هجاه الحطيئة. فقال له عمر : وما قال لك ؟ قال : قال لي:
فقال عمر: ما أسمع هجاء ولكنها معاتبة. فقال الزبرقان : أو لا تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس! والله يا أمير المؤمنين ما هُجيت ببيت قط أشد عليَّ منه. فدعا عمر حسان بن ثابت وسأله: أتراه هجاه؟ قال حسان : نعم وسلح عليه! فحبس عمر الحطيئة، فجعل الحطيئة يستعطفه ويرسل إليه الأبيات، فمن ذلك قوله :
ألقيت كاسبَهم في قعر مُظلمة
فاغفر، عليك سلام الله يا عمر
أنت الإمامُ الذي من بعد صاحبه
ألقى إليك مقاليدَ النُّهي البشرُ
لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها
لكن لأنفسهم كانت بك الأثرُ
فامنن على صبيةٍ بالرَّمْلِ مسكنُهم
بين الأباطح يغشاهم بها القدرُ
نفسي فداؤك كم بيني وبينَهُمُ
من عَرْضِ واديةٍ يعمى بها الخبرُ
القصيدة الصوتية:
قال عمر: فإياك والمقذع من القول فقال الحطيئة: وما المقذع ؟ قال عمر: أن تخاير بين الناس فتقول فلان خير من فلان وآل فلان خير من آل فلان؛ قال الحطيئة: فأنت والله أهجى مني. ثم قال له عمر : والله لولا أن تكون سُنّة لقطعت لسانك . فاشترى عمر منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، وأخذ عليه عهداً ألا يهجو أحداً ولكن يقال أنه رجع للهجاء بعد استشهاد عمر بن الخطاب.
قال في هجاء أهله و أقرابه و نفسه.
قــــــال عــــــن أمــــــه:
تنحي فاقعدي مني بعيداً
أراح الله منك العالمينا
ألم أوضح لك البغضاءَ مني
ولكن لاأخالُكِ تعقلينا
أغربالاً إذا استودعت سراً
وكانوناً على المتحدثينا
جزاك الله شراً من عجوز
ولقاك العقوق من البنينا
حياتكِ ماعلمت حياةُ سوء
وموتُكِ قد يـسرُّالصالحينا
وقـــــــــال لأبيــــــــه:
فنعم الشيخ أنت لدى المخازي
وبئس الشيخ أنت لدى المعالي
جمعت اللؤم لا حياك ربي
وأبواب السفاهة والضلال
وقــــــال يهجـــــــوا نفســـــــه:
أبت شفتاي اليوم إلا تلكماً
بهجو فما أدري لمن أنا قائله
فرأى وجهه في الماء فقال:
أرى اليوم لي وجهاً فلله خلقه
فقبح من وجه وقبح حامله
وعندما مات أوصى أن يعلق هذا على كفنه:
المدح و الثناء:
يعتبر نقاد الأدب العربي القدماء، أن أبياته التالية في المدح مما لا يلحق له غبار، أما النقاد المحدثون، فمنهم الدكتور محمد غنيمي هلال الذي أعتبرها من القصائد التي امتازت بالجزالة التي تتوافر للفظ إذا لم يكن غريباً ولا سوقياً.. وهي كما نرى تنبض بالحكمة من داخلها وإن كان ظاهرها الاستجداء والمدح:
كما قال الحطيئة:
زوامل للأخبار لا علم عندها
بمثقلها إلاّ كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا
بأوساقه أو راح ما في الغرائر
الشعر القصصي:
مناسبة النص:
من المعروف أن الحطيئة كان متكسباً بشعره محترفاً للتكسب وهو هنا يروي قصة كرم مثالي ربما يكون الشاعر نفسه هو الضيف فيها وربما كانت خيالية نسجها من قريحته لكي يرسم للناس مثلاً أعلى في الكرم ليحذوا حذوه .معاني الكلمات:
- طاوي ثلاث : جائع ثلاث ليال
- عاصب البطن : عصب على بطنه حزاماً من الجوع
- مرمل : شديد الفقر
- رسماً : أثر للعمران
- أخي جفوة : ذي خشونة
- الشراسة : سوء الخلق
- البهم : صغار الغنم
- ثلاثة أشباح : أولاده
- خبز الملة : قرص يخبز في الرماد الحار
- راعه : أخافه
- تشمر : استعد
- القرى : طعام الضيف
- طعم : طعام
- العدم : الفقر
الشــــــــرح:
هذا النص عبارة عن قصة شعرية تخيلها الحطيئة ليصور معاني الكرم ويبعث دوافعه في النفوس من البيت الأول إلى الرابع ويصف حياة الرجل الكريم وعائلته في الصحراء الموحشة وحالة الفقر والبؤس التي يعيشونها. يقول الحطيئة عن ذلك الأعرابي أنه رجل خشن العيش لم يذق الطعام منذ ثلاث ليال ، يعيش فقيراً في صحراء لا أثر للعمران فيها ، وهو لخشونته يستوحش من معاشرة الناس ويرى عيش الحرمان في الصحراء نعمة جليلة.
وقد أسكن في شعب منعزل مع زوجته وحولها أولاده الثلاثة كأنهم صغار الغنم فحم حفاة عراة لا يعرفون الخبز ولا ذاقوا طعم البر ، وفي ليلة مظلمة رأى شبحاً مقبلاً فخاف أول الأمر ولكنه حين عرفه ضيفاً بدأ يستعد وناجى ربه قائلاً : يا رباه هذا ضيف ليس عندنا قرى له فأدعوك بعظمتك ألا تحرمه هذه الليلة من اللحم وهنا أقبل ولده فقال له : يا أبت اذبحني قرى للضيف ولا تعتذر بالفقر فربما ظن ضيفنا أننا ذوو مال فنشر ذمنا في الناس.
التعليق على النص:
- الأسلوب قصصي رائع مشوق وتشتمل القصيدة على العناصر الفنية الجيدة وهي المقدمة التي حددت المكان وصورت الشخصيات والعرض المنطقي المتسلسل .
- ألفاظ القصيدة في غاية الجزالة والروعة والموسيقى العذبة .
- الصور الخيالية رائعة ومؤثرة فالشاعر يصور عاطفته بريشة فنان.
- يظهر في القصيدة أثر التنقيح والروية ويظهر ذلك في الطريقة الرائعة التي ينتقي بها الشاعر ألفاظه ويرتب بها معانيه .
- الظاهر أن الحطيئة قال هذه الأبيات في الجاهلية لأننا لا نكاد نلمح فيها أثر لمصطلحات الإسلام وألفاظه.
تعليقك يهمنا